وهذا معنى قول ابن عبَّاسٍ وغيره من الصَّحابة ومن بعدهم: إنَّ التَّحريم يمينٌ تُكفَّر.
فهذا تحرير المذاهب في هذه المسألة نقلًا، وتقريرها استدلالًا، ولا يخفى ــ على من آثرَ العلمَ والإنصافَ، وجانبَ التَّعصُّبَ ونصرةَ ما ينبني عليه من الأقوال ــ الرَّاجحُ من المرجوح، وباللَّه المستعان.
فصل
وقد تبيَّن بما ذكرنا أنَّ من حرَّم شيئًا غير الزَّوجة من الطَّعام أو الشَّراب أو اللِّباس أو أَمته لم يحرم عليه بذلك، وعليه كفَّارة يمينٍ، وفي هذا خلافٌ في ثلاثة مواضع.
أحدها: أنَّه لا يحرم، وهذا قول الجمهور. وقال أبو حنيفة: يحرم تحريمًا مقيَّدًا تُزيله الكفَّارة، كما إذا ظاهرَ من امرأته، فإنَّه لا يحلُّ له وطؤها حتَّى يكفِّر، ولأنَّ الله سبحانه سمَّى الكفَّارة في ذلك تَحِلَّةً، وهي ما يوجب الحلَّ، فدلَّ على ثبوت التَّحريم قبلها، ولأنَّه سبحانه قال لنبيِّه:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١]، ولأنَّه تحريمٌ لما أبيح له، فيحرم بتحريمه كما لو حرَّم زوجته.
ومنازعوه يقولون: إنَّما سُمِّيت الكفَّارة تَحِلَّةً من الحَلِّ الذي هو ضدُّ العَقْد، لا من الحِلِّ الذي هو مقابلَ التَّحريم، فهي تَحُلُّ اليمين بعد عقدها. وأمَّا قوله:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، فالمراد تحريم الأَمة أو العسل، ومنْعُ نفسه منه، وذلك يسمَّى تحريمًا، فهو تحريمٌ بالقول لا إثباتٌ للتَّحريم شرعًا.