وليس هذا من مفردات أبي حنيفة - رحمه الله -، بل هو أحد القولين في مذهب أحمد. يُوضِّحه: أنَّ هذا التَّحريم والحلف قد تعلَّق به منْعانِ: منعٌ من نفسه لفعله، ومنعٌ من الشَّارع للحنث بدون الكفَّارة، فلو لم يُحرِّمه تحريمُه أو يمينُه لم يكن لمنعِه نفسَه ولا لمنع الشَّارع له أثرٌ، بل كان غاية الأمر أنَّ الشَّارع أوجب في ذمَّته بهذا المنع صدقةً أو عتقًا أو صومًا لا يتوقَّف عليه حِلُّ المحلوف عليه ولا تحريمُه البتَّةَ، بل هو قبلَ المنع وبعدَه على السَّواء من غير فرقٍ، فلا يكون للكفَّارة أثرٌ البتَّةَ، لا في المنع منه ولا في الإذن، وهذا لا يخفى فساده.
وأمَّا إلزامه بالإقدام عليه مع تحريمه حيثُ لا يجوز تقديم الكفَّارة، فجوابه: أنَّه إنَّما يجوز له الإقدام عند عزمه على التَّكفير، فعزمُه على التَّكفير مَنَع من بقاء تحريمه عليه، وإنَّما يكون التَّحريم ثابتًا إذا لم يلتزم الكفَّارة، ومع التزامها لا يستمرُّ التَّحريم.
فصل
الثَّاني: أن يلزمه كفَّارةٌ بالتَّحريم، وهو بمنزلة اليمين. وهذا قول من سَمَّينا من الصَّحابة وقول فقهاء الرَّأي والحديث، إلا الشَّافعيَّ ومالكًا، فإنَّهما قالا: لا كفَّارة عليه بذلك.
والَّذين أوجبوا الكفَّارة أسعدُ بالنَّصِّ من الذين أسقطوها، فإنَّ الله سبحانه ذكر تحلَّة الأيمان عقبَ قوله:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، وهذا صريحٌ في أنَّ تحريم الحلال قد فرض فيه تحلَّة الأيمان، إمَّا مختصًّا به وإمَّا شاملًا له ولغيره، فلا يجوز أن يُخلى سبب الكفَّارة المذكورة في السِّياق عن حكم الكفَّارة ويُعَلَّق بغيره، هذا ظاهر الامتناع.