للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان هديه أنَّ من أسلم على شيءٍ في يده فهو له، ولم ينظر إلى سببه قبل الإسلام بل يُقرُّه في يده (١) كما كان قبل الإسلام، ولم يكن يُضمِّن المشركين إذا أسلموا ما أتلفوه على المسلمين من نفس أو مالٍ حالَ الحرب ولا قبله.

وعزم الصديق على تضمين المحاربين من أهل الردَّة ديات المسلمين وأموالهم، فقال عمر: «تلك دماء أصيبت في الله، وأجورهم على الله، ولا دية لشهيد»، فأَصْفَق (٢) الصحابةُ على ما قال عمر (٣).

ولم يكن يَرُدَّ أيضًا على المسلمين أعيان أموالهم التي أخذها منهم الكفار قهرًا بعد إسلامهم، بل كانوا يرونها بأيديهم ولا يتعرَّضُون لها، سواءٌ في ذلك العقار والمنقول؛ هذا هديه الذي لا شك فيه.

ولمّا فتح مكة قام إليه رجال من المهاجرين يسألونه أن يرد عليهم دُورَهم التي استولى عليها المشركون، فلم يَردَّ على أحدٍ منهم دارَه، وذلك لأنهم تركوها لله وخرجوا عنها ابتغاء مرضاته، فأعاضهم عليها دورًا خيرًا منها في الجنة، فليس لهم أن يرجعوا فيما تركوه لله. بل أبلغ من ذلك أنه لم يُرخِّص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد نسكه أكثر من ثلاث (٤)، لأنه قد ترك بلده لله وهاجر منه، فليس له أن يعود ويستوطنه، ولهذا رثى لسعد بن خولة


(١) ق: «بل يقرّه إلى الله»، تحريف.
(٢) ق، ب، ع، ن: «فاتّفق»، وهو غير محرّر في ز. وهما بمعنى.
(٣) أخرجه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في كتاب «الأموال» (٥٢٣) وسعيد بن منصور (٢٩٣٤) وابن أبي شيبة (٣٣٤٠٠) ــ ومن طريقه البيهقي في «سننه» (٨/ ٣٣٥) ــ بنحوه. وإسناده صحيح، وهو في «صحيح البخاري» (٧٢٢١) مختصرًا دون موضع الشاهد.
(٤) كما في حديث العلاء بن الحضرمي عند البخاري (٣٩٣٣) ومسلم (١٣٥٢).