للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

في هديه في الجهاد والغزوات (١)

لمَّا كان الجهاد ذِروةَ سنام الإسلام وقُبَّتَه، ومنازِلُ أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة= كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذروة العليا منه، فاستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حقَّ جهاده بالقلب والجَنان، والدعوة والبيان، والسيف والسِّنان (٢)، فكانت ساعاته موقوفةً على الجهاد بقلبه ولسانه ويده، ولهذا كان أرفعَ العالمين ذكرًا وأعظمَهم عند الله قدرًا.

وأمَره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه فقال: {(٥٠) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (٥١) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا} [الفرقان: ٥١ - ٥٢]. فهذه سورة مكية أُمِر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن.

وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بالحجّة (٣)، وإلا فهُم تحت قهر أهل الإسلام؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: ٧٣]، فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواصِّ الأمة وورثةِ الرُّسل، والقائمون به أفرادٌ في


(١) طبعة الرسالة: «في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث» خلافًا للأصول الخطية والطبعات السابقة.
(٢) ص، ز: «واللسان»، تصحيف.
(٣) المطبوع: «بتبليغ الحجة»، والمثبت من الأصول.