للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لوجب عليه الحدُّ، فدلَّ على أنَّ قذفه سببٌ لوجوب الحدِّ عليه، وله إسقاطه باللِّعان، إذ لو لم يكن سببًا لما وجب بإكذابه نفسَه بعد اللِّعان.

وأبو حنيفة يقول: قذفُه لها دعوى تُوجِب أحد أمرين: إمَّا لعانه وإمَّا إقرارها، فإذا لم يلاعن حُبِس حتَّى يلاعن، إلا أن تُقِرَّ فيزول موجب الدَّعوى. وهذا بخلاف قذف الأجنبيِّ، فإنَّه لا حقَّ له عند المقذوفة، فكان قاذفًا محضًا.

والجمهور يقولون: بل قذفه جنايةٌ منه على عِرْضها، فكان موجَبُها الحدَّ كقذف الأجنبيِّ، ولمَّا كان فيها شائبةُ الدَّعوى عليها إتلافَها (١) لحقِّه وخيانتَها (٢) فيه= مَلكَ إسقاطَ ما يوجبه القذف من الحدِّ بلعانه، فإذا لم يلاعن مع قدرته على اللِّعان وتمكُّنِه منه= عَمِلَ مقتضى القذف عملَه، واستقلَّ بإيجاب الحدِّ، إذ لا معارضَ له. وباللَّه التَّوفيق.

فصل

ومنها: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما كان يقضي بالوحي وبما أراه اللَّه، لا بما رآه هو، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يقْضِ بين المتلاعنين حتَّى جاءه الوحي ونزل القرآن، فقال لعويمرٍ حينئذٍ: «قد نزل فيك وفي صاحبتك (٣)، فاذهبْ فأْتِ بها» (٤)،


(١) كذا في النسخ، وهو مفعول «الدعوى» (مصدر بمعنى الادّعاء). وفي المطبوع: «بإتلافها».
(٢) ز، ح: «جنايتها».
(٣) في المطبوع: «صحابتك»، خطأ.
(٤) أخرجه البخاري (٥٣٠٨)، ومسلم (١٤٩٢) من حديث سهل بن سعد.