قيل: فيه وجهان، أحدهما: يُسقِطه؛ لأنَّ مستحقَّ مهرها تسبَّب إلى إسقاطه ببيعها. والثَّاني: يُنصِّفه؛ لأنَّ الزَّوج تسبَّب إليه بالشِّراء، وكلُّ فرقةٍ جاءت من قبلها ــ كردَّتها، وإرضاعِها من يفسخ إرضاعُه نكاحَها، وفسخِها لإعساره أو عيبه ــ فإنَّه يُسقِط مهرها.
فإن قيل: فقد قلتم: إنَّ المرأة إذا فسخت لعيبٍ في الزَّوج سقط مهرها، إذ الفرقة من جهتها، وقلتم: إنَّ الزَّوج إذا فسخ لعيبٍ في المرأة سقط أيضًا، ولم تجعلوا الفسخ من جهته فتنصِّفوه، كما جعلتموه بفسخها لعيبه من جهتها فأسقطتموه، فما الفرق؟
قيل: الفرق بينهما أنَّه إنَّما بذل المهر في مقابلة بُضْعٍ سليمٍ من العيوب، فإذا لم يتبيَّن كذلك وفسخ عاد إليها كما خرج منها، ولم يَستوفِه ولا شيئًا منه، فلا يلزمه شيءٌ من الصَّداق، كما أنَّها إذا فَسختْ لعيبه لم تُسلِّم إليه المعقودَ عليه ولا شيئًا منه، فلا تستحقُّ عليه شيئًا من الصَّداق.
فصل
الحكم الخامس: أنَّها لا نفقةَ لها عليه ولا سكنى، كما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا موافقٌ لحكمه في المبتوتة التي لا رجعةَ لزوجها عليها، كما سيأتي بيان حكمه في ذلك، وأنَّه موافقٌ لكتاب الله لا مخالفٌ له، بل سقوط النَّفقة والسُّكنى للملاعنة أولى من سقوطها للمبتوتة؛ لأنَّ المبتوتة له سبيل أن (١) ينكحها في عدَّتها، وهذه لا سبيلَ له إلى نكاحها لا في العدَّة ولا بعدها، فلا وجهَ أصلًا لوجوب نفقتها وسكناها، وقد انقطعت العصمة انقطاعًا كلِّيًّا.