للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يزعمون بعد نفاذ القضاء والقدر الذي لم يكن بُدٌّ من نفاذه أنهم كانوا قادرين على دفعه، وأن الأمر لو كان إليهم لما نفذ القضاء، فأكذبهم بقوله: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، فلا يكون إلا ما سبق به قضاؤه وقدره وجرى به علمُه وكتابه السابق، وما شاء الله كان ولا بُدَّ، شاء الناس أم أبوا، وما لم يشأ لم يكن، شاءه الناس (١) أم لم يشاؤوه، وما جرى عليكم من الهزيمة والقتل فبأمره الكوني الذي لا سبيل إلى دفعه، سواءٌ كان لكم من الأمر شيء أم (٢) لم يكن لكم، فإنكم (٣)

لو كنتم في بيوتكم وقد كتب القتل على بعضكم لخرج مَن كتب عليه القتلُ مِن بيته إلى مضجعه ولا بُدَّ، سواء كان له من الأمر شيء أم لم يكن. وهذا من أظهر الأشياء إبطالًا لقول القدرية النفاة الذين يُجوِّزون أن يقع ما لا يشاؤه الله، وأن يشاء ما لا يقع.

فصل

ثم أخبر سبحانه وتعالى عن حكمةٍ أخرى في هذا التقدير، وهي ابتلاء ما في صدورهم، وهو اختبار ما فيها من الإيمان والنفاق، فالمؤمن لا يزداد بذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، والمنافق ومن في قلبه مرض لا بدَّ أن يظهر ما في قلبه على جوارحه ولسانه.

ثم ذكر حكمةً أخرى، وهي تمحيص ما في قلوب المؤمنين، وهو تخليصه وتنقيته وتهذيبه، فإن القلوب يخالطُها بغَلَبات (٤) الطباع وميلِ


(١) د، ق، ب، ن: «شاء الناس».
(٢) م، ق، ب، ث، ن: «أو». وكذا في نظيره بعد سطرين.
(٣) ص، ز، د، ن: «وأنكم» ..
(٤) ص، د، ز: «تغلُّباتُ»، تصحيف، فإن فاعل «يُخالطها» هو «ما يُضادّ ... » الآتي.