تلفها وقال: أخاف أن تذهب، لناسب أن يقول: أنا ضامن لها إن تلفت.
الثالث: أنه جعل الضمان صفةً لها نفسها، ولو كان ضمانَ تلفٍ لكان الضمان لبدلها، فلما وقع الضمان على ذاتها دلَّ على أنه ضمانُ أداءٍ.
فإن قيل: ففي القصة أن بعض الدروع ضاع فعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضمنها، فقال: أنا اليوم في الإسلام أرغب (١).
قيل: هل عرض عليه أمرًا واجبًا أو أمرًا جائزًا مستحبًّا الأولى فِعلُه، وهو من مكارم الأخلاق والشِّيم ومن محاسن الشريعة؟ وقد يترجح الثاني بأنه عرض عليه الضمان، ولو كان الضمان واجبًا لم يَعرِضه عليه، بل كان يفي له به ويقول: هذا حقُّك، كما لو كان الذاهب بعينه موجودًا فإنه لم يكن ليعرض عليه ردَّه، فتأمَّلْه.
فصل
وفيها: جواز عَقْر فرس العدو ومركوبه إذا كان ذلك عونًا على قتله، كما عقر عليٌّ بعير حامل راية الكفار، وليس هذا من تعذيب الحيوان المنهي عنه.
وفيها: عفو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمَّن همَّ بقتله، ولم يعاجله بل دعا له ومسح صدره حتى عاد كأنه وليٌّ حميم.
ومنها: ما ظهر في هذه الغزاة من معجزات النبوة وآيات الرسالة من إخباره لشيبةَ بما أضمر في نفسه، ومن ثباته وقد تولى عنه الناس وهو يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
(١) ورد ذلك في حديث صفوان الموصول، وفي الرواية عن أناس من آله مرسلًا، وقد سبق تخريجهما (ص ٥٧٩).