للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومأخذ المسألة: أن قوله - صلى الله عليه وسلم - لصفوان: «بل عارية مضمونة» (١) هل أراد به أنها مضمونة بالرد أو بالتلف؟ أي أضمنها إن تلفت أو أضمن لك ردَّها؟ وهو يحتمل الأمرين، وهو في ضمان الرد أظهر لثلاثة أوجه:

أحدها: أن في اللفظ الآخر: «بل عاريةً مؤداة» (٢) فهذا يبين أن قوله: «مضمونة» المرادُ به المضمونة بالأداء.

الثاني: أنه لم يسأله عن تَلَفها، وإنما سأله هل تأخذها مني أخْذَ غصبٍ تحول بيني وبينها؟ فقال: لا، بل أخْذَ عاريةٍ أؤدِّيها إليك. ولو كان سأله عن


(١) هذا لفظ رواية ابن إسحاق عن شيوخه، ومرسل محمد بن باقر، وقد سبق تخريجه.
(٢) وصف العارية بالمؤداة في قصة صفوان روي من حديث ابن عباس عند الدارقطني (٢٩٥١) والحاكم (٢/ ٤٧) والبيهقي (٦/ ٨٨) بإسناد واه، ولفظه أنه قال: يا رسول الله أعارية مؤداة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «عارية مؤداة». وروي بنحوه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند الدارقطني (٢٩٥٢) إلا أن إسناده إلى عمرو بن شعيب ضعيف.
واللفظ الذي ذكره المؤلف ورد في حديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له ــ أي: ليعلى ــ: «إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا وثلاثين بعيرًا»، فقال: يا رسول الله، أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: «بل عارية مؤداة». أخرجه أحمد (١٧٩٥٠) وأبو داود (٣٥٦٦) والنسائي في «الكبرى» (٥٧٤٤) وابن حبان (٤٧٢٠) والدارقطني (٢٩٥٣) بإسناد رجاله رجال الشيخين، وهذا لفظ رواية النسائي، ولفظ أبي داود بنحوه. ولفظ سائر الروايات أنه قال: العارية مؤداة يا رسول الله؟ قال: «نعم»، وهذا اللفظ أصح. ويبقى النظر في هذه القصة هل هي قصة أخرى غير قصة صفوان، أو أنها هي نفسها ولكن الرواة اضطربوا في تعيين صاحب القصة؟ والأظهر ــ والله أعلم ــ أن القصة لصفوان لتعدد مخارجها وإطباق أصحاب المغازي عليها، على أن ابن حزم يرى أن الصحيح في الباب حديث يعلى وأما ما سواه فلا يساوي الاشتغال به. انظر: «المحلى» (٩/ ١٧٣).