للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير مختصٍّ بهم، وهو نظير قوله: «كفِّنوه في ثوبيه، فإنَّه يُبعَث يوم القيامة ملبِّيًا»، ولم تقولوا: إنَّ هذا خاصٌّ بشهداء أحدٍ (١)، بل عَدَّيتم الحكمَ إلى سائر الشُّهداء مع إمكان ما ذكرتم من التَّخصيص فيه. وما الفرق وشهادة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الموضعين واحدةٌ؟

وأيضًا فإنَّ هذا الحديث موافقٌ لأصول الشَّرع والحكمة الَّتي رُتِّب عليها المعاد، فإنَّ العبد يُبعَث على ما مات عليه، ومن مات على حالةٍ بُعِثَ عليها، فلو لم يَرِدْ هذا الحديث لكانت أصول الشَّرع شاهدةً به. والله أعلم.

فصل

عُدنا إلى سياق حجَّته - صلى الله عليه وسلم -. فلمَّا غَرَبت الشَّمس، واستحكم غروبها، بحيث ذهبت الصُّفرة، أفاض من عرفة، وأردفَ أسامةَ بن زيدٍ خلفه، وأفاض بالسَّكينة، وضمَّ إليه زِمامَ ناقته، حتَّى إنَّ رأسها ليصيب طرفَ رحله (٢)، وهو يقول: «أيُّها النَّاس عليكم بالسَّكينة (٣)، فإنَّ البرَّ ليس بالإيضاع» (٤)، أي: ليس بالإسراع.

وأفاض من طريق المَأْزِمَين، ودخل عرفة من طريق ضَبٍّ، وهكذا كانت عادته - صلى الله عليه وسلم - في الأعياد أن يخالف الطَّريق، وقد تقدَّم حكمة ذلك عند الكلام على هديه في العيد (٥).


(١) بعدها في المطبوع زيادة: «فقط». وليست في الأصول.
(٢) ك: «راحلته». مب: «رجله».
(٣) في م، ب، مب والمطبوع: «السكينة» خلاف بقية النسخ والبخاري.
(٤) رواه البخاري (١٦٧١) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٥) (١/ ٥٦٤).