للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر حكمه - صلى الله عليه وسلم - في العِدَد

هذا الباب قد تولَّى الله سبحانه بيانَه في كتابه أتمَّ بيانٍ وأوضحَه وأجمعَه، بحيث لا تَشِذُّ عنه معتدَّةٌ، فذكر أربعة أنواعٍ من العِدَد، وهي جملة أنواعها:

النَّوع الأوَّل: عدَّة الحامل بوضع الحمل مطلقًا بائنةً كانت أو رجعيَّةً، مفارقةً في الحياة، أو متوفًّى عنها، فقال: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤]. وهذا فيه عمومٌ من ثلاث جهاتٍ:

أحدها: عموم المُخبَر عنه، وهو أولات الأحمال، فإنَّه يتناول جميعهنَّ.

الثَّاني: عموم الأجل (١)، فإنَّه أضافه إليهنَّ، وإضافة اسم الجمع إلى المعرفة يَعُمُّ، فجعل وضْع الحمل جميعَ أجلهنَّ، فلو كان لبعضهنَّ أجلٌ غيره لم يكن جميعَ أجلهنَّ.

الثَّالث: أنَّ المبتدأ والخبر معرفتين (٢)، أمَّا المبتدأ فظاهرٌ، وأمَّا الخبر ــ وهو قوله: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ــ ففي تأويل مصدرٍ مضافٍ، أي: أجلُهنَّ وضْعُ حملِهنَّ، والمبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين اقتضى ذلك حصْرَ الثَّاني في الأوَّل، كقوله: {النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} [فاطر: ١٥].

وبهذا احتجَّ جمهور الصِّحابة على أنَّ الحامل المتوفَّى عنها عدَّتُها وضْعُ حملها، ولو وضعتْه والزَّوجُ على المغتَسَل، كما أفتى به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لسُبَيعةَ


(١) ص، د: «الأصل»، تحريف.
(٢) كذا في النسخ بالياء والنون.