للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما طالت هذه الحال على المسلمين أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصالح عُيينة بن حِصن والحارثَ بن عوف رئيسَي غطفان على ثُلُث ثمار المدينة وينصرفا بقومهما، وجرت المراوضة على ذلك فاستشار السَّعدَين في ذلك فقالا: يا رسول الله، إن كان الله أمرك بهذا فسمعًا وطاعةً، وإن كان شيئًا تصنعه لنا فلا حاجة لنا به، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمَعون أن يأكلوا منها ثمرةً إلا قِرًى أو بيعًا، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزَّنا بك نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف! فصوب رأيهما وقال: «إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيتُ العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدة» (١).

ثم إن الله عز وجل ــ وله الحمد ــ صنع أمرًا من عنده خذل به بين (٢) العدو وهزم جموعهم وفَلَّ حدَّهم، فكان مما هيَّأ مِن ذلك أن رجلًا من غطفان يقال له: نُعَيم بن مسعود بن عامر - رضي الله عنه - جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمتُ فمُرْني بما شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) أسنده ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٢٢٣) و «دلائل النبوة» (٣/ ٤٣٠) ــ عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا. وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٧٣٧) وأبو عبيد في «الأموال» (٤٦٥) من مرسل الزهري بنحوه. وله شاهد أيضًا من حديث أبي هريرة عند البزار (٨٠١٧) والطبراني في «الكبير» (٦/ ٢٨) وأبي نعيم في «معرفة الصحابة» (٣١٣٨)، وإسناده لا بأس به في الشواهد.
(٢) «بين» ساقطة من ص، د، ز، ع.