للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس هذا الذي فعله عمر بمخالف للقرآن، فإن الأرض ليست داخلةً في الغنائم التي أمر الله بتخميسها وقسمتها، ولهذا قال عمر: «إنها غير المال»، ويدل عليه أن إباحة الغنائم لم يكن لغير هذه الأمة، بل هو من خصائصها كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته: «وأُحِلَّت لي الغنائم، ولم تحلَّ لأحدٍ (١) قبلي» (٢)، وقد أحل الله سبحانه الأرض التي كانت بأيدي الكفار لمن قبلنا من أتباع الرسل إذا استولوا عليها عنوةً، كما أحلها لقوم موسى، ولهذا قال موسى لقومه: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: ٢١]، فموسى وقومه قاتلوا الكفار واستولَوا على دِيارهم وأموالهم، فجمعوا الغنائم فنزلت (٣) النار من السماء فأكلتها، وسكنوا الأرض والديار ولم تَحْرُم عليهم، فعُلم أنها ليست من الغنائم وأنها لله يورثها من يشاء.

فصل

وأما مكة فإن فيها شيئًا آخر يمنع من قسمتها ولو وجبت قسمة ما عداها من القرى، وهي: أنها لا تُملَك، فإنها دار النُّسُك ومُتعبَّد الخلق وحرم الرب تعالى الذي جعله للناس سواءً العاكفُ فيه والباد (٤)، فهي (٥) وقف من الله على العالمين، وهم فيها سواء، ومنًى مناخ من سبق (٦).


(١) زيد بعده في ص، ز، د: «مِن»، وليست في «الصحيحين».
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٥) ومسلم (٥٢١) من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٣) ص، د، المطبوع: «ثم نزلت».
(٤) ص، ز، د: «والبادي». وبالوجهين قرئت آية الحج. انظر: «النشر» (٢/ ٣٢٧).
(٥) «فهي» سقط من د، س، واستُدرك في ص، ز بخط مغاير.
(٦) كما في حديث عائشة مرفوعًا، وسيأتي قريبًا.