للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السببَ الذي ناله به كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان.

فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فرُّوا من ألم عذاب الله إلى الإيمان، وتحمَّلوا ما فيه من الألم الزائل المُفارق عن قُرب (١). وهذا لضعف بصيرته فرَّ من ألمِ عذابِ أعداءِ الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم، ففرَّ من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله، فجعل ألم فتنةِ الناس في الفرار منه بمنزلة ألم عذاب الله، وغبن كلَّ الغَبْن؛ إذ (٢) استجار من الرمضاء بالنار، وفرَّ من ألم ساعةٍ إلى ألم الأبد. وإذا نصر الله جندَه وأولياءه قال: إني كنت معكم، والله عليم (٣) بما انطوى عليه صدرُه من النفاق.

والمقصود: أن الله سبحانه اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحنَ النفوسَ ويبتليَها، فيظهَر بالامتحان طيِّبُها من خبيثها، ومن يصلح لموالاته وكرامته ومن لا يصلح، وليمحِّص النفوس التي تصلح له ويُخلِّصها بِكِير الامتحان، كالذهب الذي لا يصفُو ويَخْلُص من غشِّه إلا بالامتحان؛ إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة، وقد حصل لها بالجهل والظلم من الخبث ما يحتاج خروجه إلى السَّبْك والتصفية، فإن خرج في هذه الدار وإلا ففي كِير جهنم، فإذا هُذِّب العبدُ ونُقِّي أُذِن له في دخول الجنة.

فصل

ولما دعا - صلى الله عليه وسلم - إلى الله عز وجل استجاب له عبادُ الله من كل قبيلة، فكان


(١) ك، ع: «قريب».
(٢) في الأصول عدا ج: «إذا»، والمثبت منه أشبه.
(٣) ك، ع: «أعلم».