للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونعيمُهم، واستبشارَهم بما تَجدَّدُ (١) لهم كلَّ وقت من نعمته وكرامته.

وذكَّرهم سبحانه في أثناء هذه المحنة بما هو من أعظم مِنَنه (٢) ونعمه عليهم التي إن قابلوا بها كلَّ محنةٍ تنالهم وبليةٍ تلاشت في جنب هذه المنة والنعمة، ولم يبق لها أثر البتة، وهي منَّته عليهم بإرسال رسولٍ من أنفسهم إليهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وينقذهم من الضلال ــ الذي كانوا فيه قبل إرساله ــ إلى الهدى، ومِن الشقاء إلى الفلاح، ومن الظلمة إلى النور، ومن الجهل إلى العلم؛ فكلُّ بليةٍ ومحنةٍ تنال العبدَ بعد حصول هذا الخير العظيم له أمرٌ يسير جدًّا في جنب الخير الكثير، كما ينال الناسَ بأذى المطر في جنب ما يحصل لهم به من الخير.

فأعلمهم أن سبب المصيبة من عند أنفسهم ليحذروا، وأنها بقضائه وقدره ليُوحِّدوا ويتَّكلوا ولا يخافوا غيره، وأخبرهم بما له فيها من الحكم لئلا يتَّهموه في قضائه وقدره وليتعرَّف إليهم بأنواع أسمائه وصفاته، وسلَّاهم بما أعطاهم مما هو أجلُّ قدرًا وأعظمُ خطرًا مما فاتهم من النصر والغنيمة، وعزَّاهم عن قتلاهم بما نالوه من ثوابه وكرامته لينافسوهم فيه ولا يحزنوا عليهم؛ فله الحمد كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.

فصل

ولما انقضت الحرب انكفأ المشركون، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لأخذ الذراري والأموال، فشقَّ ذلك عليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والذي


(١) ص، د، المطبوع: «يجدد».
(٢) د، م، ق: «منّته».