للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثيرةً جدًّا، كالمتواترة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وبعضُهم أقرَّ بلسانه وقال: إنما كنا نخوض ونلعب، وقد واجهه بعض الخوارج في وجهه بقوله: إنك لم تعدل (١)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: ألا نقتلهم؟ لم يقل: ما قامت عليهم بينة، بل قال: «لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه».

فالجواب الصحيح إذن أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - مصلحة تتضمن تأليفَ القلوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجمعَ كلمة الناس عليه، وكان في قتلهم تنفيرًا (٢) والإسلام بعدُ في غربة؛ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحرص شيء على تأليف الناس، وأتركُ شيءٍ لِما ينفِّرهم عن الدخول في طاعته.

وهذا أمر كان يختص بحال حياته - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك تَرَك قتلَ من طعن عليه في حكمه بقوله: أنْ كان ابنَ عمَّتك (٣)، وفي قَسْمه بقوله: إن هذه لَقسمةٌ ما أريد بها وجه الله، وقولِ الآخر له: إنك لم تعدل؛ فإن هذا محض حقِّه، له أن يستوفيه وله أن يتركه، وليس للأمة بعده تركُ استيفاء حقِّه، بل يتعين عليهم استيفاؤه ولا بد، ولتقرير هذه المسائل موضعٌ آخر، والغرض التنبيه والإشارة.

فصل

ومنها: أن أهل العهد والذمة إذا أحدث أحد منهم حدثًا فيه ضرر على الإسلام انتقض عهدُه في ماله ونفسه، وأنه إذا لم يقدر عليه الإمام فدمه وماله


(١) وذلك عند قسم غنائم حنين بالجعرانة، كما تقدّم (ص ٥٤٢).
(٢) كذا بالنصب في جميع الأصول.
(٣) أخرجه البخاري (٢٣٥٩) ومسلم (٢٣٥٧) من حديث ابن الزبير في قصةٍ لأبيه حكم له النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها على خصمه فقال ذلك.