للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بما هو أهله ثم قال: «أيها الناس، إن الله حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحلُّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يَسفك بها دمًا أو يَعضِد بها شجرةً، فإنْ أحد ترخص بقتال (١) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أُحِلَّت لي (٢) ساعةً من نهار، وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب» (٣).

ولما فتح الله مكة على رسوله ــ وهي بلده ووطنه ومولده ــ قالت الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟ وهو يدعو على الصفا رافعًا يديه، فلما فرغ من دعائه قال: «ماذا قلتم؟» قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «معاذ الله، المَحيا محياكم والممات مماتكم» (٤).


(١) المطبوع: «لقتال» وهو لفظ البخاري، والمثبت من الأصول لفظ مسلم وغيره.
(٢) «لي» ساقطة من ص، د.
(٣) أخرجه البخاري (١٠٤، ٤٢٩٥) ومسلم (١٣٥٤) من حديث أبي شريح الخزاعي بنحوه، وبعض ألفاظ الخطبة أشبه بحديث ابن عباس عند البخاري (١٨٣٤) ومسلم (١٣٥٣).
(٤) ذكره ابن هشام (٢/ ٤١٦) فيما بلغه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مرسلًا. والقصة في «صحيح مسلم» (١٧٨٠/ ٨٤) من حديث أبي هريرة، وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه الوحي يُعلمه بما قالوا، فقال: «كلَّا! إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم».