للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الحقِّ، فإنَّ صاحبه كلَّما كان أبرَّ وأصدقَ وأدينَ كان علمه به ونفوذه فيه أقوى، وباللَّه التَّوفيق.

فصل

الحكم السَّادس: خُبث كسب الحجَّام، ويدخل فيه الفاصد والشَّارِط وكلُّ من يكون كسبه من إخراج الدَّم، ولا يدخل فيه الطَّبيب ولا الكحَّال ولا البيطار، لا في لفظه ولا في معناه. وصحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه حكم بخبثه (١)، وأمر صاحبه أن يَعْلِفَه ناضِحَه أو رَقيقَه (٢)، وصحَّ عنه أنَّه احتجم وأعطى الحجَّام أجره (٣).

فأشكل الجمعُ بين هذين على كثيرٍ من الفقهاء، وظنُّوا أنَّ النَّهي عن كسبِه منسوخٌ بإعطائه أجره، وممَّن سلك هذا المسلك الطَّحاويُّ، فقال في احتجاجه للكوفيِّين في إباحة بيع الكلاب وأكْلِ أثمانها (٤): لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، ثمَّ قال: «ما لي وللكلاب» (٥)، ثمَّ رخَّص في كلب الصَّيد وكلب الغنم، وكان بيع الكلاب إذ ذاك والانتفاع به حرامًا، وكان قاتله مؤدِّيًا للفرض عليه في قتله، ثمَّ نسخ ذلك، وأباح الاصطياد به، فصار كسائر الجوارح في جواز بيعه. قال: ومثل ذلك نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الحجَّام، وقال:


(١) سيأتي لفظه.
(٢) أخرجه أحمد (٢٣٦٨٩) والترمذي (١٢٧٧) وأبو داود (٣٤٢٢) وابن حبان (٥١٥٤) من حديث ابن محيصة عن أبيه. وقال الترمذي: «حدث حسن».
(٣) أخرجه مسلم بعد رقم (١٥٧٧/ ٦٤) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٤) انظر: «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٩٥).
(٥) أخرجه مسلم (١٥٧٣) من حديث عبد الله بن المغفّل - رضي الله عنه -.