للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن أبيه: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ألفًا وأربعمائة (١).

وغلط غلطًا بيِّنًا من قال: كانوا سبعمائة (٢)، وعُذره أنهم نحروا يومئذ سبعين بدنةً، والبدنة قد جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، وهذا لا يدل على ما قاله هذا القائل، فإنه قد صَرَّح (٣) بأن البدنة كانت في هذه العمرة عن سبعة، فلو كانت السبعون عن جميعهم لكانوا أربعَمائةٍ وتسعين رجلًا، وقد قال في تمام الحديث بعينه: «إنهم كانوا ألفًا وأربعمائة».

فصل

فلما كانوا بذي الحليفة قلَّد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الهديَ وأشعره وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينًا له من خزاعة يخبره عن قريش، حتى إذا كان قريبًا من عُسفان أتاه عينه فقال: إني تركتُ كعبَ بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعًا، وهم مقاتِلوك وصادُّوك عن البيت فاستشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه فقال: «أترون أن نَمِيل إلى ذراريِّ هؤلاء الذين أعانوهم فنُصيبهم، فإن قعدوا قعدوا مَوتُورين محرُوبين (٤)، وإن يَجُوا (٥) تكن عنقًا


(١) أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٤/ ٩٨) من طريق الدُّوري عن ابن معين عن شبابة عن شعبة به، وهو في «تاريخ ابن معين» برواية الدوري (٣/ ٤٨).
(٢) هو قول ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٣٠٩).
(٣) أي جابر في حديثه المتقدم آنفًا.
(٤) أي: منهوبين مسلوبين، تقول: حرَبه يحرُبه حَرْبًا، إذا سلب ماله.
(٥) طبعة الرسالة: «يجيئوا» خلافًا للرسم في الأصول، وكذا في مطبوعة «مصنف عبد الرزاق» خلافًا لأصله الخطي. وفي أكثر المصادر الأخرى المطبوعة (والرواية فيها من طريق عبد الرزاق): «نَجَوا»، وهو ظاهر النقط في بعض أصول الزاد والطبعة الهندية، ولكن يشكل عليه جواب الشرط: «تكن عنقًا قطعها الله»، وأيضًا ففي البخاري (٤١٨٧) من غير طريق عبد الرزاق: «إن يأتونا»، وعند الطبراني من طريق عبد الرزاق: «إن جاؤوا». وهذا كلّه يقتضي ما أثبتناه، وهو على لغة مَن يحذف همزة «جاء» تخفيفًا فيقول: «جا، يجي، يجون» كما هو شائع في العاميّة الدارجة. انظر: «الكتاب» لسيبويه (٣/ ٥٥٦) و «ارتشاف الضرَب» لأبي حيان (١/ ٢٨٤).