للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا تأمَّلت هذه اللِّبسةَ وجدتها من أنفع اللِّبسات، وأبلغِها في حفظ صحَّة البدن وقوَّته، وأبعدِها من التَّكلُّف والمشقَّة على البدن.

وكان يلبس الخِفافَ في السَّفر دائمًا أو أغلبَ أحواله لحاجة الرِّجلين إلى ما يقيهما من الحرِّ والبرد، وفي الحضر أحيانًا.

وكان أحبُّ ألوان الثِّياب إليه البياض (١)، والحِبرَة وهي البرود المحبَّرة. ولم يكن من هديه لبسُ الأحمر ولا الأسود ولا المصبَّغ ولا المصقول. وأمَّا الحُلَّة الحمراء الَّتي لبسها، فهي الرِّداء اليمانيُّ الذي فيه سوادٌ وحمرةٌ وبياضٌ كالحُلَّة الخضراء، فقد لبس هذه وهذه (٢). وقد تقدَّم تقرير ذلك وتغليط من زعم أنَّه لبس الأحمر القانئ بما فيه كفايةٌ (٣).

فصل

في تدبيره لأمر المسكن

لمَّا علم - صلى الله عليه وسلم - أنَّه على ظهر سيرٍ، وأنَّ الدُّنيا مرحلة مسافرٍ ينزل فيها مدَّة عمره ثمَّ ينتقل عنها إلى الآخرة= لم يكن من هديه وهدي أصحابه ومَن تبعه: الاعتناءُ بالمساكن وتشييدُها وتعليتُها وزخرفتُها وتوسيعها، بل كانت من


(١) تقدَّم تخريجه في (١/ ١٣٩).
(٢) لبس النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للحلَّة الخضراء أخرجه أبو داود (٤٠٦٥، ٤٢٠٦)، والتِّرمذيُّ (٢٨١٢)، والنَّسائيُّ (١٥٧٢، ٥٣١٩)، وأحمد (٧١٠٩، ٧١١٧، ١٧٤٩٤)، عن أبي رمثة - رضي الله عنه - قال: «رأيت على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بردين أخضَرين». قال التِّرمذيُّ: «هذا حديث حسن غريب»، وصحَّحه ابن حبَّان (٥٩٩٥)، والحاكم (٢/ ٤٢٥)، والإشبيليُّ في «الأحكام الصُّغرى» (٢/ ٨١٣).
(٣) انظر ما سبق في (١/ ١٣٤ - ١٣٦).