للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا نظر، فإن في «الصحيحين» (١) من حديث جابر قال: بعثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثمائة راكبٍ أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عيرًا لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخَبَط (٢) فسمي «جيشَ الخبط»، فنحر رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه، فألقى إلينا البحر دابةً يقال لها: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر وادَّهنَّا منه (٣) حتى ثابت منه أجسامُنا وصلحت، وأخذ أبو عبيدة ضلعًا من أضلاعه (٤) فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمله عليه ومرَّ تحته، وتزوَّدْنا من لحمه وَشَائق (٥)، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له فقال: «هو رزق أخرجه اللهُ لكم، فهل معكم مِن لَحمِه شيءٌ تُطعمونا؟» فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فأكل.

قلت: وهذا السياق يدل على أن هذه الغزوة كانت قبل الهدنة وقبل عمرة الحديبية، فإنه مِن حين صالح أهل مكة بالحديبية لم يكن يرصد لهم عيرًا، بل كان زمنَ أمنٍ وهدنة إلى حين الفتح، ويبعد أن تكون سرية الخبط على هذا الوجه مرَّتين مرةً قبل الصلح ومرةً بعده. والله أعلم.


(١) البخاري (٤٣٦١، ٥٤٩٤) ومسلم (١٩٣٥)، ولفظ المؤلف مجموع من رواياتهما.
(٢) الخَبَط: ورق الشجر يُخبط بالعصا حتى ينتثر ثم يجفَّف ويُطحن ويُعلَف به الإبل.
(٣) كذا في الأصول. وفي المطبوع: «فأكلنا منها ... مِن وَدَكها» وهو لفظ مسلم (١٩٣٥/ ١٨).
(٤) ص، د، ز: «أضلاعها».
(٥) جمع الوشيقة: لحم يُغلى إغلاءة ثم يُرفع قبل أن ينضج ويقدَّد، وهو أبقى قديد يكون.