للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وفي نحره - صلى الله عليه وسلم - لما أُحصِر بالحديبية دليلٌ على أن المحصر ينحر هديه وقت حصره، وهذا لا خلاف فيه إذا كان محرمًا بعمرة، وإن كان مفرِدًا أو قارنًا ففيه قولان:

أحدهما: أن الأمر كذلك، وهو الصحيح؛ لأنه أحد النسكين، فجاز الحِلُّ منه ونحرُ هديه وقتَ حصره كالعمرة؛ ولأن العمرة لا تفوت وجميعُ الزمان وقت لها، فإذا جاز الحِلُّ منها ونحرُ هديها من غير خشية فواتها، فالحج الذي يخشى فواته أولى.

وقد قال أحمد في رواية حنبل (١): إنه لا يحل ولا ينحر الهدي إلى يوم النحر. ووجه هذا: أن للهدي محِلَّ زمانٍ ومحِلَّ مكانٍ، فإذا عجز عن محل المكان لم يسقط عنه محل الزمان لتمكُّنه من الإتيان بالواجب في محله الزماني. وعلى هذا القول لا يجوز له التحلُّل قبل يوم النحر لقوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦].

فصل

وفي نحره - صلى الله عليه وسلم - وحلِّه دليل على أن المحصر بالعمرة يتحلل، وهذا قول الجمهور. وقد روي عن مالك (٢) أن المعتمر لا يتحلل، لأنه لا يخاف


(١) وكذا في رواية الأثرم. انظر: «المغني» (٥/ ١٩٨).
(٢) كما في «المغني» (٥/ ١٩٥) بصيغة التمريض. والذي نقله ابن القاسم عن مالك كما في «المدونة» (٢/ ٤٢٧) أنه: «إذ أُحصِر بعدو غالب لم يعجَل بالرجوع حتى ييأس، فإذا يئس حلَّ مكانه ورجع ولم ينتظر ... وكذلك في العمرة أيضًا». وانظر: «النوادر والزيادات» (٢/ ٤٣١ - ٤٣٣).