للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موجِبات الطباع، وهي من بقايا النفوس التي تمنع من النُّصرة المستقرة، فقيَّض لهم بلطفه أسبابًا أخرجها من القوة إلى الفعل فترتَّبت (١) عليها آثارُها المكروهة، فعلموا حينئذ أن التوبةَ منها والاحترازَ من أمثالِها ودَفْعَها بأضدادها أمرٌ متعيِّن لا يتم لهم الفلاح والنصرة الدائمة المستقرة إلا به، فكانوا أشدَّ حذرًا بعدها ومعرفةً بالأبواب التي دخل عليهم منها.

وربَّما صحَّت الأجسامُ بالعِلَلِ (٢)

ثم إنه سبحانه تداركهم برحمته وخفَّف عنهم ذلك الغمَّ، وغيَّبه عنهم بالنعاس الذي أنزله عليهم أمنًا منه ورحمةً؛ والنعاسُ في الحرب علامة النصرة والأمن، كما أنزله عليهم يوم بدرٍ. وأخبر أن من لم يُصبه ذلك النعاسُ فهو ممن أهمَّته نفسُه، لا دينُه ولا نبيُّه ولا أصحابُه، وأنهم يظنون بالله غيرَ الحقِّ ظنَّ الجاهلية.

وقد فُسِّر هذا الظن الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسولَه، وأن أمره سيضمحلُّ، وأنه يُسْلِمُه للقتل. وفُسِّر بأن (٣) ما أصابهم لم يكن بقضائه (٤) وقدره، ولا حكمة له فيه، ففُسِّر بإنكارِ الحكمة وإنكارِ القَدَر، وإنكارِ أن يُتمَّ أمرَ رسوله ويُظهره على الدين كلِّه، وهذا هو ظن السَّوء الذي ظنه المنافقون والمشركون به سبحانه في سورة الفتح حيث يقول: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ


(١) ز، ع: «فترتَّب».
(٢) عجز بيت سائر للمتنبي، صدره: «لعلَّ عَتْبَك محمودٌ عواقبُه».
(٣) م، ق، ث، المطبوع: «بظنِّهم أن».
(٤) م، ق: «بقضاء الله».