للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَصَابَكُمْ} تنبيهًا (١) على حكمة هذا الغم بعد الغم، وهو أن يُنْسِيهم الحزن على ما فاتهم من الظفر وعلى ما أصابهم من الهزيمة والجراح، فنسوا بذلك السَّلَب (٢)، وهذا إنما يحصل بالغم الذي يَعقُبه غم آخر.

الثاني: أنه مطابق للواقع، فإنه حصل لهم غمُّ فوات الغنيمة، ثم أعقبه غمُّ الهزيمة، ثم غمُّ الجراح التي أصابتهم (٣)، ثم غمُّ القتل، ثم غمُّ سماعِهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قتل، ثم غمُّ ظهور أعدائهم على الجبل فوقَهم؛ وليس المراد غمَّين اثنين خاصةً، بل غمًّا متتابعًا لتمام الابتلاء والامتحان.

الثالث: أن قوله: {بِغَمٍّ} من تمام الثواب، لا أنه سببُ (٤) الثواب، والمعنى: أثابكم غمًّا متصلًا بغمٍّ جزاءً على ما وقع منهم من الهرب (٥)، وإسلامهم نبيَّهم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَهم، وتركِ استجابتهم له وهو يدعوهم، ومخالفتِهم له في لزوم مركزهم، وتنازعِهم في الأمر وفَشَلِهم؛ وكلُّ واحد من هذه الأمور يوجب غمًّا يخصُّه، فترادفت عليهم الغموم كما ترادفت منهم أسبابها وموجِباتُها، ولولا أن تدارَكهم بعفوه لكان أمرًا آخر.

ومِن لطفه بهم ورأفته أن هذه الأمور التي صدرت منهم كانت من


(١) كذا في الأصول منصوبًا، ولعله على توهّم سبق «في» بعد «أن».
(٢) أي الذي فاتهم، أو الذي سلبه العدو منهم. وفي طبعة الرسالة: «السبب» خلافًا للأصول والطبعة الهندية.
(٣) ص، ز، د، ع: «الذي أصابهم».
(٤) في ص، ز كُتب: «جزاء» أولًا ثم ضرب عليه وكتب: «سبب». وفي ث، ن، النسخ المطبوعة جُمع بينهما: «سبب جزاء الثواب».
(٥) ص، ز، د: «على ما وقع من الهروب».