ومن العجب قوله: إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أمرها أن تترك الطَّواف، وتمضي على الحجِّ، توهَّموا بهذا أنَّها كانت معتمرةً، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما أمرها أن تدعَ العمرة وتُنشئ إهلالًا بالحجِّ، فقال لها:«وأهلِّي بالحجِّ»، ولم يقل: استمرِّي عليه، ولا امْضِي فيه، وكيف يغلط راوي الأمر بالامتشاط لمجرَّد مخالفته لمذهب الرَّادِّ؟ فأين (١) في كتاب الله وسنَّة رسوله وإجماع الأمَّة ما يحرِّم على المحرم تسريحَ شعره، ولا يسوِّغ تغليطَ الثِّقات لنصرة الآراء والتَّقليد؟ والمحرم إذا أمنَ مِن تقطيع الشَّعر لم يُمنَع من تسريح رأسه، وإن لم يأمن من سقوط شيءٍ من الشَّعر بالتَّسريح، فهذا المنع منه محلُّ نزاعٍ واجتهادٍ، والدَّليل يَفصِل بين المتنازعين، فإن لم يدلَّ كتابٌ ولا سنَّةٌ ولا إجماعٌ على منعه فهو جائزٌ.
فصل
وللنَّاس في هذه العمرة الَّتي أتت بها عائشة من التَّنعيم أربعة مسالك:
أحدها: أنَّها كانت زيادةً تطييبًا لقلبها وجَبْرًا لها، وإلَّا فطوافها وسعيها وقع عن حجِّها وعمرتها، وكانت متمتِّعةً ثمَّ أدخلت الحجَّ على العمرة، فصارت قارنةً. وهذا أصحُّ الأقوال، والأحاديث لا تدلُّ على غيره، وهذا مسلك الشَّافعيِّ وأحمد وغيرهما.
المسلك الثَّاني: أنَّها لمَّا حاضت أمرها أن ترفض عمرتها، وتنتقل عنها إلى حجٍّ مفردٍ، فلمَّا حلَّت من الحجِّ أمرها أن تعتمر؛ قضاءً لعمرتها الَّتي