وقولها:«فعلنا» كما قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسافرنا معه ونحوه. ويتعيَّن قطعًا ــ إن لم تكن هذه الرِّواية غلطًا ــ أن تُحمل على ذلك للأحاديث الصَّحيحة الصَّريحة أنَّها كانت قد (١) أحرمت بعمرةٍ، وكيف يُنسَب عروة في ذلك إلى الغلط، وهو أعلم النَّاس بحديثها، وكان يسمع منها مشافهةً بلا واسطةٍ.
وأمَّا قوله في رواية حماد: حدَّثني غير واحدٍ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها:«دَعِي عمرتك»، فهذا إنَّما يحتاج إلى تعليله وردِّه إذا خالف الرِّوايات الثَّابتة عنها، فأمَّا إذا وافقها وصدَّقها وشهد أنها أحرمت بعمرةٍ، فهذا يدلُّ على أنَّه محفوظٌ، وأنَّ الذي حدَّثه ضبطَه وحفظه. هذا مع أنَّ حمَّاد بن زيدٍ انفرد بهذه الرِّواية المعلَّلة، وهي قوله:«فحدَّثني غير واحدٍ»، وخالفه جماعةٌ فرووه متَّصلًا عن عروة عن عائشة، فلو قُدِّر التَّعارض فالأكثرون أولى بالصَّواب.
ويا للعجب! كيف يكون تغليط أعلم النَّاس بحديثها ــ وهو عروة ــ في قوله عنها:«وكنت فيمن أهلَّ بعمرةٍ» سائغًا بلفظٍ مجملٍ محتملٍ، ويُقضى به على النَّصِّ الصَّحيح الصَّريح الذي شهد له سياق القصَّة من وجوهٍ متعدِّدةٍ قد تقدَّم ذكر بعضها؟ فهؤلاء أربعةٌ رَوَوا عنها أنَّها أهلَّت بعمرةٍ: جابر، وعروة، وطاوس، ومجاهد، فلو كانت رواية القاسم وعمرة والأسود معارضةً لرواية هؤلاء لكانت روايتهم أولى بالتَّقديم لكثرتهم، ولأنَّ فيهم جابرًا، ولفضل عروة وعلمه بحديث خالته.