للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدَّة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار بن فيض، قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يَرِدوا ولم يصدروا إلا عن رأيي، وإني والله أرى أمرًا مقبلًا، والله إن كان هذا الرجل مَلِكًا مبعوثًا فكنا أول العرب طعنًا في عينه وردَّ عليه أمرَه، لا يذهب لنا من صدره ولا من صُدور قومه حتى يصيبونا بجائحة وإنَّا لأدنى العرب (١) منهم جوارًا، وإن كان هذا الرجل نبيًّا مرسلًا فلاعنَّاه لا يبقى على وجه الأرض منا شَعرةٌ ولا ظفر إلا هلك! فقال له صاحباه: فما الرأي؟ فقد وضعتك الأمورُ على ذراعٍ فهاتِ رأيك، فقال: رأيي أن أحكِّمه فإني أرى رجلًا لا يحكم شَطَطًا أبدًا، فقالا له: أنت وذاك. فلقي شرحبيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني قد رأيت خيرًا من ملاعنتك، فقال: «وما هو؟» قال شرحبيل: حكمك اليوم إلى الليل وليلتَك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا فهو جائز، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لعل وراءك أحدًا يُثرِّب عليك»، فقال شرحبيل له: سل صاحبيَّ، فسألهما فقالا: ما يَرِد الوادي ولا يصدُر إلا عن رأي شرحبيل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كافر ــ أو قال: جاحد ــ موفق».

فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلاعنهم، حتى إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب محمد النبي رسول الله لنجران: إذ كان عليهم حكمُه في كل ثمرة وفي كل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق، فأفضل عليهم وترك ذلك كلَّه على ألفَي حُلَّةٍ حُلَلِ الأواقي (٢)، في كل رجبٍ ألفُ حلة وفي كل صفرٍ ألفُ حلة وكلُّ حلةٍ أوقية،


(١) «وإنا لأدنى العرب» تحرّف في الأصول إلى: «وإني لأرى القرب».
(٢) «حلل الأواقي» ساقط من المطبوع. رسمه في الأصول: «الأوقى» دون ألف التكسير بعد الواو، وكذا في مخطوطة «الدلائل». والظاهر أنه كان هكذا في أصل كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فحافظ الرواة على رسمه، وذلك أنه في الرسم القديم لم يكونوا يكتبون ألف التكسير في بعض الجموع، كما يدل عليه رسم «الأصحاب» و «الأنعام» و «المساجد» وغيرها في المصحف. وأضيفت الحلل إلى الأواقي لأن ثمن كل حُلَّة منها كان أوقية، كما في «المُغرب في ترتيب المُعرب» (٢/ ٣٦٧).