للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: أن المعاهدين إذا تسلَّموه وتمكَّنوا منه فقتل أحدًا منهم لم يضمنه بديةٍ ولا قَوَدٍ، ولم يضمنه الإمام، بل يكون حكمه في ذلك حكمَ قتلِه لهم في ديارهم حيث لا حكمَ للإمام عليهم؛ فإن أبا بصير قتل أحد الرجلَين المعاهدَين بذي الحليفة، وهي من حكم المدينة، ولكن كان قد تسلَّموه وفصل عن يد الإمام وحكمه.

ومنها: أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم، ولم يتحيَّزوا إلى الإمام= لم يجب على الإمام دفعُهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءٌ دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين لم يكن عهدًا بين أبي بصير وأصحابه وبينهم.

وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهدٌ جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوَهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى مَلَطْيَةَ (١) وسَبْيِهم مستدلًّا بقصة أبي بصير مع المشركين (٢). والله أعلم (٣).

فصل

في الإشارة إلى بعض الحكم التي تضمنتها هذه الهدنة

وهي أكبر وأجل من أن يحيط بها إلا الله الذي أحكم أسبابها، فوقعت الغايةُ على الوجه الذي اقتضته حكمته وحمده.


(١) مدينة قديمة من بلاد الروم مُتاخمة للشام. وهي اليوم مدينة في منطقة الأناضول الشرقية في تركيا.
(٢) انظر: «الاختيارات» للبعلي (ص ٤٥٦).
(٣) «والله أعلم» من ص، ز، د.