للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمنها: أنها كانت مقدِّمةً بين يدي الفتح الأعظم الذي أعزَّ الله به رسوله وجنده ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، فكانت هذه الهدنة بابًا له ومفتاحًا ومُؤْذِنًا بين يديه. وهذه عادة الله سبحانه في الأمور العِظام التي يقضيها (١) شرعًا وقدرًا أن يُوطِّئ لها بين يديها مقدِّماتٍ وتوطئاتٍ تؤذن بها وتدل عليها.

ومنها: أن هذه الهدنة كانت من أعظم الفتوح، فإن الناسَ أَمِن بعضهم بعضًا، واختلط المسلمون بالكفار وبادؤُوهم (٢) بالدعوة وأسمعوهم القرآن وناظروهم على الإسلام جهرةً آمنين، وظهر من كان مختفيًا بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة مَن شاء الله أن يدخل؛ ولهذا سمَّاه الله {فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١]. قال ابن قتيبة: قضينا لك قضاءً عظيمًا، وقال مجاهد: هو ما قضى الله له بالحديبية (٣).

وحقيقة الأمر أن الفتح في اللغة: فتحُ المغلق، والصلح الذي حصل مع المشركين (٤) بالحديبية كان مسدودًا مغلقًا حتى فتحه الله، وكان من أسباب فتحه صدُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن البيت، وكان في الصورة الظاهرة ضَيمًا وهضمًا للمسلمين وفي الباطن عزًّا ونصرًا وفتحًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى ما وراءه من الفتح العظيم والعز والنصر مِن وراء سترٍ رقيق، وكان


(١) د، ب، ث: «يقتضيها».
(٢) ز، ب، س، ث: «نادَوهم» بالنون، وفي ص مهمل بلا نقط، والمثبت من د حيث نُقِط بالباء، ورسمه يحتمل: «بادَوهم» بحذف الهمزة تخفيفًا.
(٣) انظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ٤١٢) و «تفسير الطبري» (٢١/ ٢٣٨)، والمؤلف صادر عن «زاد المسير» (٧/ ٤١٩ - ٤٢٠).
(٤) د: «حصل للمشركين»، تحصيف.