للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

في هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصِّيام

لمَّا (١) كان المقصود من الصِّيام حَبْسَ النَّفس عن الشَّهوات، وفِطامها عن المألوفات، وتعديل قوَّتها الشَّهوانيَّة، لتستعدَّ لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبولِ ما تزكو (٢) به ممَّا فيه حياتها الأبديَّة، ويكسر الجوع والظَّمأ من حدَّتها وسَوْرتها، ويذكِّرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، ويُضيِّق (٣) مجاريَ الشَّيطان من العبد بتضييق مجاري الطَّعام والشَّراب، ويَحْبِس (٤) قوى الأعضاء عن استرسالها بحكم الطَّبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها، ويُسكِّن كلَّ عضوٍ منها وكلَّ قوَّةٍ عن جماحه ويلتجم (٥) بلجامه. فهو لِجام المتَّقين، وجُنَّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإنَّ الصَّائم لا يفعل شيئًا، وإنَّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو تركُ محبوبات النَّفس وملذوذاتها (٦) إيثارًا لمحبَّة الله ومرضاته، فهو سرٌّ بين العبد وبين الله لا يطَّلع عليه سواه، والعباد (٧) قد يطَّلعون منه على تركه (٨) المفطراتِ الظَّاهرة، وأمَّا


(١) جواب (لما) لم يأتِ صراحةً، وهو مفهوم مما ذُكر في وصف الصيام وآثاره.
(٢) ج، ع: «تذكر»، تحريف.
(٣) في المطبوع: «وتضيق». ع، م، مب: «تضييق». والمثبت من بقية النسخ.
(٤) في المطبوع: «وتحبس». والمثبت من الأصول.
(٥) في المطبوع: «وتلجم» خلاف النسخ.
(٦) في المطبوع: «وتلذذاتها» خلاف النسخ.
(٧) ص، ج، ع: «إذ العباد». والمثبت من ق، ك.
(٨) في المطبوع: «ترك». والمثبت من الأصول.