للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونَشِبت حلقتان من حِلَق المِغْفَر في وجهه، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعَضَّ عليهما حتى سقطت ثَنيَّتاه مِن شدة غَوصهما في وجهه، وامتصَّ مالكُ بن سنان ــ والدُ أبي سعيد الخدري ــ الدمَ من وجنته. وأدركه المشركون يريدون ما الله حائل بينهم وبينه، فحال دونه نفر من المسلمين نحوُ عشرةٍ حتى قُتلوا، ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه، وترَّس أبو دجانة عليه بظهره والنبلُ يقع فيه وهو لا يتحرك.

وأصيبت يومئذ عينُ قتادةَ بنِ النعمان، فأتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فردَّها عليه بيده، وكانت أصحَّ عينيه وأحسنَهما (١).

وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمدًا قد قُتِل، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، وفرَّ أكثرُهم؛ وكان أمر الله قدرًا مقدورًا (٢). ومر أنس بن النَّضْر بقومٍ من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقال ما تنتظرون؟ فقالوا: قُتِل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبَلَ الناس ولقي سعدَ بن معاذ فقال: يا سعدُ، إني لأجد ريح الجنة من دون أُحُد، فقاتل حتى قُتِل، ووجد به سبعون ضربةً (٣). وجُرِح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحوًا من عشرين جراحةً.


(١) أسنده ابن هشام (٢/ ٨٢) وغيره من طريق ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة. وهو مرسل جيّد، فإن عاصمًا ثقة علَّامة بالمغازي، ولاسيما هذه القصة فإنها وقعت لجدّه.
(٢) وفيه نزل قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآية.
(٣) أخرجه البخاري (٢٨٠٥) من حديث أنس بنحوه، وفيه «بضعًا وثمانين ضربة». وانظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ٨٣) و «مغازي الواقدي» (١/ ٢٨٠).