للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأربعة مع شدَّة غيرته سبحانه، فهي مقرونةٌ بحكمةٍ ومصلحةٍ ورحمةٍ وإحسانٍ، فاللَّه سبحانه مع شدَّة غيرته أعلمُ بمصالح عبادِه وما شرعَه لهم من إقامة الشُّهود الأربعة دون المبادرة إلى القتل، وأنا أغيرُ من سعدٍ وقد نهيتُه عن قتله.

وقد يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلا الأمرين، وهو الأليقُ بكلامه وسياقة القصَّة. والله أعلم.

فصل

في حكمه - صلى الله عليه وسلم - في لحوق النَّسب بالزَّوج إذا خالف لونُ ولده لونَه

ثبت عنه في «الصَّحيحين» (١) أنَّ رجلًا قال له: إنَّ امرأتي ولدت غلامًا أسود ــ كأنَّه يُعرِّض بنفيه ــ فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هل لك من إبلٍ؟»، قال: نعم. قال: «ما لونها؟»، قال: حُمْرٌ. قال: «فهل فيها من أورقَ؟»، قال: نعم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فأنَّى أتاها ذلك؟»، قال: لعلَّه يا رسول الله أن يكون نَزَعَها (٢) عِرْقٌ. فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وهذا لعلَّ أن يكونَ (٣) نَزَعَه عِرْقٌ».

وفي هذا الحديث من الفقه أنَّ الحدَّ لا يجب بالتَّعريض إذا كان على وجه السُّؤال والاستفتاء. ومن أَخذ منه أنَّه لا يجب بالتَّعريض ولو كان على وجه المقابحة والمشاتمة فقد أبعد النُّجعةَ، وربَّ تعريضٍ أفهمُ وأوجعُ للقلب وأبلغُ في النِّكاية من التَّصريح، وبِساط الكلام وسياقه يردُّ ما ذكروه من الاحتمال، ويجعل الكلام قطعيَّ الدَّلالة على المراد.

وفيه أنَّ مجرَّد الرِّيبة لا يُسوِّغ اللِّعان ونفْيَ الولد.

وفيه ضرب الأمثال والأشباه والنَّظائر في الأحكام، ومن تراجم البخاريِّ


(١) أخرجه البخاري (٦٨٤٧، ٧٣١٤) ومسلم (١٥٠٠) من حديث أبي هريرة.
(٢) في المطبوع: «نزعه». والمثبت من النسخ.
(٣) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «لعله يكون».