للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غيرة سعد؟ فواللَّه لأنا أغيرُ منه، والله أغيرُ منِّي»، ولم ينكر عليه. ونهيُه (١) عن قتله لأنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم - حكمٌ مُلزِمٌ، وكذلك فتواه حكمٌ عامٌّ للأمَّة، فلو أَذِنَ له في قتله لكان ذلك حكمًا منه بأنَّ دمه هدرٌ في ظاهر الشَّرع وباطنِه، ووقعت المفسدةُ التي درأها الله بالقصاص، وتهالكَ النَّاس في قتل من يريدون قتلَه في دُورهم ويَدَّعون أنَّهم كابَرُوهم (٢) على حريمهم، فسَدَّ الذَّريعة، وحَمى المفسدة، وصانَ الدِّماء. وفي ذلك دليلٌ على أنَّه لا يُقبل قول القاتل، ويُقَاد به في ظاهر الشَّرع، فلمَّا حلف سعد أنَّه يقتله ولا ينتظر به الشُّهود عجِبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من غيرته، وأخبر أنَّه غَيورٌ، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - أغيرُ منه، والله أشدُّ غيرةً. وهذا يحتمل معنيين:

أحدهما: إقراره وسكوتُه على ما حلفَ عليه سعد أنَّه جائزٌ له فيما بينه وبين اللَّه، ونهيُه عن قتْلِه في ظاهر الشَّرع، ولا يتناقض أوَّلُ الحديث وآخره.

والثَّاني: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك كالمُنكِر على سعد، فقال: «ألا تسمعون إلى ما يقول سيِّدكم!» يعني: أنا أنهاه عن قتله، وهو يقول: بلى والَّذي أكرمَك بالحقِّ. ثمَّ أخبر عن الحامل له على هذه المخالفة، وأنَّه شدَّة غيرته، ثمَّ قال: «أنا أغيرُ منه، والله أغيرُ منِّي». وقد شرع إقامة الشُّهداء


(١) كذا في عامة النسخ. وفي م: «نِهْيَةً» مضبوطة، ولا معنى لها. وفي المطبوع: «ولا نهاه» عطفًا على ما قبلها، والصواب أنها جملة مستأنفة كما يدل عليه السياق.
(٢) تحرفت في المطبوع إلى: «كانوا يرونهم». والصواب ما في النسخ. وكابَرَ فلانًا على مالهِ: أخذ منه عنوةً وقهرًا.