للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا خلافَ أنَّ عُمَره لم تزد على أربعٍ، فلو كان قد اعتمر في رجبٍ لكانت خمسًا، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستًّا، إلا أن يقال: بعضهنَّ في رجبٍ، وبعضهنَّ في رمضان، وبعضهنَّ في ذي القعدة، وهذا لم يقع، وإنَّما الواقع اعتماره في ذي القعدة، كما قال أنس وابن عبَّاسٍ وعائشة. وقد روى أبو داود في «سننه» (١) عن عائشة: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في شوَّالٍ. وهذا إن كان محفوظًا فلعلَّه في عمرة الجِعرانة حين خرج في شوَّالٍ، ولكن إنَّما أحرم بها في ذي القعدة.

فصل

ولم يكن في عُمَره عمرةٌ واحدةٌ خارجًا من مكَّة كما يفعله (٢) كثيرٌ من (٣) النَّاس اليوم، وإنَّما كانت عُمَره كلُّها داخلًا إلى مكَّة، وقد أقام بعد الوحي بمكَّة ثلاث عشرة سنةً لم يُنقَل عنه أنَّه اعتمر خارجًا من مكَّة في تلك المدَّة أصلًا. فالعمرة الَّتي فعلَها وشَرعَها هي عمرة الدَّاخل إلى مكَّة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحلِّ ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحدٌ قطُّ إلا عائشة وحدها من بين سائر من معه؛ لأنَّها كانت قد أهلَّت بالعمرة فحاضت، فأمرها، فأدخلت الحجَّ على العمرة وصارت قارنةً، وأخبرها أنَّ طوافها بالبيت وبين


(١) برقم (١٩٩١)، ومن طريقه البيهقي في «دلائل النبوة» (٥/ ٤٥٥). وقد أعِلَّ بأن رواه مالك (٩٧٢) مرسلًا، وهو الذي رجحه ابن عبد البر في «التمهيد» (٢٢/ ٢٨٩). وسيأتي الكلام عليه عند المؤلف.
(٢) ب: «فعل».
(٣) «كثير من» ليست في ج.