للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأمَّا تحريم بيع الميتة، فيدخل فيه كلُّ ما يسمَّى ميتةً، سواءٌ مات حتْفَ أنفِه، أو ذُكِّي ذكاةً لا تفيد حلَّه، ويدخل فيه أبعاضُها أيضًا. ولهذا استشكل الصَّحابة تحريم بيع الشَّحم (١)، مع ما لهم فيه من المنفعة، فأخبرهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه حرامٌ، وإن كان فيه ما ذكروا من المنفعة.

وهذا موضعٌ اختلف النَّاس فيه؛ لاختلافهم في فهم مراده - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنَّ قوله: «لا، هو حرامٌ» (٢) هل هو عائدٌ إلى البيع، أو عائدٌ إلى الأفعال الَّتي سألوا عنها؟ فقال شيخنا (٣): هو راجعٌ إلى البيع؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أخبرهم أنَّ الله حرَّم بيع الميتة قالوا: إنَّ في شحومها من المنافع كذا وكذا، يَعْنُون: فهل ذلك مُسوِّغٌ لبيعها؟ فقال: «لا، هو حرامٌ».

قلت: كأنَّهم طلبوا تخصيصَ الشُّحوم من جملة الميتة بالجواز، كما طلب العبَّاس تخصيصَ الإِذخِر من جملة تحريم نبات الحرم بالجواز (٤)، فلم يُجِبهم إلى ذلك، فقال: «لا، هو حرامٌ».

وقال غيره من أصحاب أحمد وغيرهم: التَّحريم عائدٌ إلى الأفعال المسؤول عنها، وقال: هو حرامٌ، ولم يقل: هي؛ لأنَّه أراد المذكور جميعه. ويرجِّح قولَهم عودُ الضَّمير إلى أقرب مذكورٍ، ويرجِّحه من جهة المعنى أنَّ


(١) م، ح: «الخمر»، خطأ.
(٢) تقدم تخريجه (ص ٤١٩).
(٣) لم أجد كلامه في كتبه المطبوعة.
(٤) كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (١٣٤٩) ومسلم (١٣٥٣) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.