خلق الله سبحانه ابنَ آدم وأعضاءه، وجعل لكلِّ عضوٍ منها كمالًا إذا فقَده أحسَّ بالألم، وجعل لمَلِكها ــ وهو القلب ــ كمالًا إذا فقَده حضرته أسقامه وآلامه من الهموم والغموم والأحزان. فإذا فقدت العينُ ما خُلِقت له من قوَّة الإبصار، وفقدت الأذنُ ما خُلِقت له من قوَّة السَّمع، واللَّسانُ ما خُلِق له من قوَّة الكلام= فقدت كمالَها.
والقلبُ خُلِقَ لمعرفة فاطره ومحبَّته وتوحيده، والسُّرور به، والابتهاج بحبِّه، والرِّضا عنه، والتَّوكُّل عليه، والحبِّ فيه والبغض فيه، والموالاة فيه والمعاداة فيه، ودوام ذكره، وأن يكون أحبَّ إليه من كلِّ ما سواه، وأرجى عنده من كلِّ ما سواه، وأجلَّ في قلبه من كلِّ ما سواه، ولا نعيم له ولا سرور (١) ولا لذَّة بل ولا حياة إلا بذلك. وهذا له بمنزلة الغذاء والصِّحَّة والحياة، فإذا فقدَ غذاءه وصحَّته وحياته فالهموم والغموم والأحزان مسارِعةٌ من كلِّ صَوبٍ إليه، ورَهْنٌ مقيمٌ عليه.
ومن أعظم أدوائه: الشِّرك والذُّنوب والغفلة، والاستهانةُ بمحابِّه ومراضيه، وتركُ التَّفويض إليه، وقلَّةُ الاعتماد عليه، والرُّكونُ إلى ما سواه، والسُّخطُ بمقدوره، والشَّكُّ في وعده ووعيده.
وإذا تأمَّلت أمراض القلب وجدت هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها، لا سبب لها سواها. فدواؤه الذي لا دواء له سواه ما تضمَّنته هذه العلاجات