للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم خرج الناس أرسالًا يَتْبع بعضهم بعضًا، ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعلي ــ أقاما بأمره لهما ــ، وإلا من احتبسه المشركون كَرهًا. وقد أعدَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج، وأعدَّ أبو بكر جهازه.

فصل

فلما رأى المشركون أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تجهَّزوا وخرجوا وحملوا وساقوا الذراريَّ والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج عرفوا أن الدار دارُ مَنَعة، وأن القوم أهلُ حلقة وبأس وشوكة، فخافوا خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ولحوقَه بهم فيشتدُّ عليهم أمره، فاجتمعوا في دار الندوة ولم يتخلَّف أحدٌ من ذوي الرأي (١) والحِجا منهم ليتشاوروا في أمره، وحضرهم وليُّهم وشيخُهم إبليس ــ لعنه الله ــ في صورة شيخ كبير من أهل نجد مشتملِ الصمَّاء في كسائه، فتذاكروا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار كل أحدٍ منهم برأي، والشيخ يردُّه ولا يرضاه، إلى أن قال أبو جهل: قد فرق لي فيه رأي ما أراكم (٢) وقعتم عليه، قالوا: ما هو؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلامًا نَهْدًا جَلْدًا ثم نُعطيه سيفًا صارمًا فيضربونه ضربةَ رجلٍ واحد، فيتفرَّق دمُه في القبائل، فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع، ولا يُمكنها معاداة القبائل كلِّها، ونسوق إليهم ديته، فقال الشيخ: للهِ درُّ الفتى! هذا والله الرأي، فتفرقوا على ذلك وأجمعوا عليه، وجاء جبريل بالوحي من عند ربِّه تبارك وتعالى فأخبره بذلك، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك


(١) ج، ن: «أهل الرأي».
(٢) ز، ع: «رأي من آرائكم ما». وفي ص مثله دون «ما».