للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأن تلك الأسباب المكروهةَ المفضيةَ إليها لا يَخرج تقديرُها عن الحكمة لإفضائها إلى ما يحب وإن كانت مكروهةً له، فما قدَّرها سدًى ولا شاءَها (١) عبثًا ولا خلقها باطلًا، {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: ٢٧].

وأكثر الناس يظنون بالله غيرَ الحق ظنَّ السَّوءِ فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءَه وصفاتِه، وعرف موجَب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته وأَيِس من رَوحه فقد ظن به ظن السوء.

ومن جوَّز عليه أن يُعذِّبَ أولياءَه مع إحسانهم وإخلاصهم ويُسوِّي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن أنه يترك خلقَه سدًى مُعَطَّلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله، ولا ينزل عليهم كتبه، بل يتركهم هَمَلًا كالأنعام، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظنَّ أنه لن يجمعهم بعد موتهم للثواب والعقاب في دارٍ يجازي المُحسن فيها بإحسانه والمسيءَ بإساءته، ويبيّن لخلقه حقيقةَ ما اختلفوا فيه، ويُظهر للعالمين كلِّهم صِدقَه وصدق رُسُلِه، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين= فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن أنه يُضِيع عليه عملَه الصالح الذي عمله خالصًا لوجهه على امتثال أمره، ويُبطله عليه بلا سبب من العبد، أو أنه يعاقبه بما لا صنع له فيه ولا اختيار له ولا قدرة ولا إرادة في حصوله، بل يعاقبه على فعله هو سبحانه


(١) النسخ المطبوعة: «أنشأها».