للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موسى هجرةً (١)، ولم يقل: إنه هاجر من مكة إلى الحبشة (٢) ليُنْكَرَ عليه (٣).

فصل

فانحاز المهاجرون إلى مملكة أَصْحَمة النجاشي آمنين، فلما علمت قريش بذلك بعثت في أثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهدايا وتُحَف من بلادهم إلى النجاشي ليردَّهم عليهم، فأبى ذلك عليهم، وتشفَّعُوا إليه بعظماء جُنده (٤) فلم يُجِبْهم إلى ما طلبوا، فوَشَوا إليه أن هؤلاء يقولون في عيسى قولًا عظيمًا، يقولون: إنه عبدٌ، فاستدعى المهاجرين إلى مجلسه ومقدَّمهم جعفر بن أبي طالب، فلما أرادوا الدخول عليه قال جعفر: يستأذن عليك حزبُ الله، فقال للآذن: قل له: يعيد استئذانَه، فأعاده، فلما دخلوا عليه قال: ما تقولون في عيسى؟ فتلا عليه جعفر صدرًا من سورة كهيعص، فأخذ النجاشي عُودًا من الأرض فقال: ما زاد عيسى على هذا، ولا هذا العود، فتناخرت (٥) بطارقته حوله، فقال:


(١) بل قد عدَّ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - هجرةً حين قال: «ولكم أنتم ــ أهل السفينة ــ هجرتان» كما في البخاري (٤٢٣١) ومسلم (٢٥٠٣)، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - يشمل بعمومه الأشعريين فإنهم كانوا في السفينة مع جعفر وأصحابه، ولذا قال أبو موسى الأشعري: «ما من الدنيا شيء هم [أي: الأشعريّون] به أفرحُ ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
(٢) ق، ن، والنسخ المطبوعة: «أرض الحبشة».
(٣) عليه يُحمَل قول ابن سعد في «الطبقات» (٤/ ٩٩): إن ابن إسحاق لم يذكر أبا موسى فيمن هاجر إلى أرض الحبشة. أي: لم يذكره فيمن هاجر مِن مكة إلى أرض الحبشة.
(٤) طبعة الرسالة: «بطارقته» خلافًا للأصول وللطبعة الهندية.
(٥) أي غضبت وثارت، والنخير في الأصل: مدّ الصوت والنَفَس في الخياشيم، وكثيرًا ما يكون ذلك من المُغضَب إظهارًا لغضبه ونفوره.