للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكاه ابنُ سعد قد تضمن زيادة أمرٍ خفي على ابن إسحاق، وابنُ إسحاق لم يذكر من حدَّثه ومحمد بن سعد أسند ما حكاه إلى المُطَّلِب بن عبدِ الله بن حَنْطَب (١)، فاتفقت الأحاديث وصدَّق بعضُها بعضًا، وزال عنها الإشكال، ولله الحمد والمنة.

وقد ذكر ابن إسحاق (٢) في هذه الهجرة إلى الحبشة أبا موسى الأشعري عبدَ الله بن قيس، وقد أنكر ذلك عليه أهلُ السير، منهم: محمد بن عمر الواقدي (٣) وغيره، وقالوا: كيف يخفى ذلك على ابن إسحاق أو على من دونه؟!

قلت: وليس ذلك مما يخفى على من هو دون محمد بن إسحاق فضلًا عنه، وإنما نشأ الوهم أن أبا موسى هاجر من اليمن إلى أرض الحبشة إلى عند جعفر (٤) وأصحابه لما سمع بهم، ثم قدم معهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، كما جاء مصرحًا به في «الصحيح» (٥)، فعدَّ ذلك ابنُ إسحاق لأبي


(١) بل إلى التابعي الفقيه أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي. وأما المطلب بن عبد الله بن حنطب فأسند إليه قصة سبب رجوع المهاجرين من أرض الحبشة. انظر: «الطبقات» (١/ ١٧٤) و «سيرة الدمياطي» (ق ٣٠).
(٢) كما في «سيرة ابن هشام» (١/ ٣٢٤) في جملة من هاجر إلى الحبشة.
(٣) لم أجد كلام الواقدي في الإنكار عليه. وانظر: «الطبقات» لابن سعد (٤/ ٩٨ - ٩٩) و «الاستيعاب» (٣/ ٩٧٩ - ٩٨٠).
(٤) «إلى عند» شائع في كلام المؤلف وشيخه، وقد عُدَّ لحنًا كما في «درَّة الغوَّاص» (١٩).
(٥) البخاري (٣١٣٦) ومسلم (٢٥٠٢) من حديث أبي موسى، وفيه أنه هو ورهطه الأشعريّون إنما خرجوا من اليمن مهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن ألقتْهم سفينتُهم إلى أرض الحبشة، فأقاموا هناك مع جعفر وأصحابه حتى قدموا جميعًا حين افتتح خيبر.