للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما (١) لا يخصُّ به غيره من الشُّهور، حتَّى إنَّه كان ليواصل فيه (٢) أحيانًا ليوفِّر ساعاتِ ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له: فإنَّك تواصل، فيقول: «لستُ كهيئتِكم، إنِّي أبيت ـ وفي روايةٍ: إنِّي (٣) أظلُّ ـ عند ربِّي يُطعمني ويَسقيني» (٤).

وقد اختلف النَّاس في هذا الطَّعام والشَّراب المذكور (٥) على قولين.

أحدهما: أنَّه طعامٌ وشرابٌ حسِّيٌّ للفم، قالوا: وهذا حقيقة اللَّفظ، ولا موجِبَ للعدول عنها.

والثَّاني: أنَّ المراد به ما يُغذِّيه الله به من معارفه، وما يفيض على قلبه من لذَّة مناجاته، وقُرَّة عينه بقربه، ونعيمه (٦) بحبِّه، والشَّوق إليه، وتوابع ذلك من الأحوال الَّتي هي غذاء القلوب، ونعيم الأرواح، وقرَّة العين، وبهجة النُّفوس. فللرُّوح والقلب بها (٧) أعظمُ غذاءٍ وأجلُّه وأنفعُه، وقد يَقوى هذا


(١) ق: «ما».
(٢) «فيه» من ق، مب. وليست في بقية النسخ.
(٣) «إني» من ق، مب، وليست في بقية النسخ.
(٤) أما الرواية الأولى فرواها البخاري (١٩٦٤) ومسلم (١١٠٥) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.، وأمَّا الرواية الثانية فرواها البخاري (٧٢٤١) ومسلم (١١٠٤/ ٦٠) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٥) في المطبوع: «المذكورين». والمثبت من الأصول.
(٦) في المطبوع: «وتنعمه»، م: «وتنعيمه». والمثبت من بقية الأصول.
(٧) في المطبوع: «بما هو» خلاف النسخ.