للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الوفد: فإنا قد قاضيناه وأعطيناه ما أحببنا وشرطنا ما أردنا، ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمَهم وأصدقَهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه وفيما قاضيناه عليه، فاقبلوا عافيةَ الله، فقالت ثقيف: فلِمَ كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم؟ فقالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلَموا مكانهم ومكثوا أيامًا.

ثم قدم عليهم رسلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمَّر عليهم خالد بن الوليد وفيهم المغيرة بن شعبة، فلما قدموا عمدوا إلى اللات ليهدموها، واستكفت ثقيف كلها الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحِجال، لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكِرْزِين (١) وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين ثم سقط يركض فارتجَّ أهل الطائف بضجةٍ واحدة وقالوا: أبعد الله المغيرةَ قتلَتْه الربَّة، وفرحوا حين رأوه ساقطًا وقالوا: من شاء منكم فليقترب (٢) وليجتهد على هدمها فوالله لا تستطاع، فوثب المغيرة بن شعبة فقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف! إنما هي لَكاعِ حجارةٌ ومَدَر، فاقبلوا عافية الله واعبدوه، ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا سورها وعلا الرجالُ معه، فما زالوا يهدمونها حجرًا حجرًا حتى سووها بالأرض، وجعل صاحب المفتاح يقول: ليغضبَنَّ الأساسُ (٣) فليخسفنَّ بهم، فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد: دعني أحفر


(١) الكرزين: الفأس العظيمة.
(٢) د، ث، س، المطبوع: «فليقرب». ولم تتضح نسخة ف لأن الأرضة حالت بين القاف والراء، والمثبت من ب، ز موافق لمصدر النقل.
(٣) في هامش ف: «الاساف» وعليه علامة (خ)، ولم يتبيَّن لي وجهه.