والفرق عند هؤلاء بين اعتدادها بالأقراء وبين اعتدادها بالشُّهور: أنَّ اعتبار الشُهور للعلم ببراءة رحمها، وهو لا يحصل بدون ثلاثة أشهرٍ في حقِّ الحرَّة والأمة جميعًا؛ لأنَّ الحمل يكون نطفةً أربعين يومًا، ثمَّ عَلَقةً أربعين، ثمَّ مُضْغةً أربعين، وهي الطَّور الثَّالث الذي يمكن أن يظهر فيه الحمل، وهذا بالنِّسبة إلى الحرَّة والأمة سواءٌ بخلاف الأقراء، فإنَّ الحيضة الواحدة عَلَمٌ ظاهرٌ على الاستبراء، ولهذا اكتُفِي بها في حقِّ المملوكة، فإذا زُوِّجت فقد أخذَتْ شَبَهًا من الحرائر، وصارت أشرفَ من مِلْك اليمين، فجُعِلتْ عدَّتها بين العدَّتين.
قال الشَّيخ في «المغني»(١): ومن ردَّ هذا القول قال: هو مخالفٌ لإجماع الصَّحابة، لأنَّهم اختلفوا على القولين الأوَّلين، ومتى اختلفوا على قولين لم يجز إحداثُ قولٍ ثالثٍ؛ لأنَّه يُفضِي إلى تخطئتهم وخروجِ الحقِّ عن قول جميعهم.
قلت: وليس في هذا إحداث قولٍ ثالثٍ، بل هو إحدى الرِّوايتين عن عمر، ذكرها ابن وهب وغيره، وقال به من التَّابعين من ذكرناهم وغيرهم.
فصل
وأمَّا عدَّة الآيسة والَّتي لم تَحِضْ، فقد بيَّنها سبحانه في كتابه فقال:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق: ٤]. وقد اضطرب النَّاس في حدِّ الإياس اضطرابًا شديدًا: