الحرير كذلك، وليس فيها شيءٌ من اليبس والخشونة الكائن (١) في غيرها صارت نافعةً من الحِكَّة، إذ الحِكَّة لا تكون إلا عن حرارةٍ ويبسٍ وخشونةٍ. فلذلك رخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير وعبد الرحمن في لباس الحرير لمداواة الحِكَّة. وثياب الحرير أبعد عن قبول تولُّد القَمْل فيها، إذ كان مزاجها مخالفًا لمزاج ما يتولَّد منه القمل.
وأمَّا القسم الذي لا يدفِّئ ولا يسخِّن، فالمتَّخَذ من الحديد والرَّصاص والخشب والتُّراب ونحوها.
فإن قيل: فإذا كان لباس الحرير أعدل اللِّباس وأوفقه للبدن، فلماذا حرَّمته الشَّريعة الكاملة الفاضلة الَّتي أباحت الطَّيِّبات وحرَّمت الخبائث؟
قيل: هذا السُّؤال يجيب عنه كلُّ طائفةٍ من طوائف المسلمين بجوابٍ. فمنكِرو الحِكَم والتَّعليل لما رفَعَتْ قاعدةَ التَّعليل من أصلها لم تحتَجْ إلى جوابٍ عن هذا السُّؤال.
ومثبتو التَّعليل والحكمة ــ وهم الأكثرون ــ منهم من يجيب عن هذا بأنَّ الشَّريعة حرَّمته لتصبِر النُّفوسُ عنه وتتركَه لله، فتثاب على ذلك، لا سيِّما ولها عوضٌ عنه بغيره. ومنهم من يجيب عنه بأنَّه خُلِق في الأصل للنِّساء كالحلية بالذَّهب، فحرِّم على الرِّجال لما فيه من مفسدة تشبُّه الرِّجال بالنِّساء. ومنهم من قال: حُرِّم لما يورثه من الفخر والخيلاء والعجب.
(١) كذا في جميع النسخ إلا حط التي فيها: «الكائنة»، وكذا في مخطوطة كتاب الحموي (ق ٣٦/ب). وفي النسخ المطبوعة: «الكائنين»، ولعله إصلاح من بعض النساخ أو الناشرين.