بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١١٧]، هذا من أعظم ما يعرِّف العبد قدر التوبة وفضلَها عند الله وأنها غاية كمال المؤمن، فإنه سبحانه أعطاهم هذا الكمال بعد آخر الغزوات بعد أن قضوا نحبهم وبذلوا نفوسهم وأموالهم وديارهم لله، وكان غاية أمرهم أن تاب عليهم، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم توبة كعبٍ خيرَ يوم مرَّ عليه منذ ولدته أمُّه إلى ذلك اليوم. ولا يعرف هذا حقَّ معرفته إلا من عرف الله، وعرف حقوقه عليه، وعرف ما ينبغي له من عبوديته، وعرف نفسه وصفاتِها وأفعالَها، وأن الذي قام به من العبودية بالنسبة إلى حق ربه عليه كقطرة في بحرٍ، هذا إذا سلم من الآفات الظاهرة والباطنة، فسبحان من لا يسع عبادَه غيرُ عفوه ومغفرته وتغمُّده لهم برحمته، وليس إلا ذلك أو الهلاك، فإن وضع عليهم عدله فعذَّب أهل سماواته وأرضه عذَّبهم وهو غير ظالم لهم، وإن رحمهم فرحمته خير لهم من أعمالهم، ولا ينجي أحدًا منهم عملُه.
فصل
وتأمل تكريره سبحانه توبته عليهم مرتين في أول الآية وآخرها، فإنه تاب عليهم أولًا بتوفيقهم للتوبة، فلما تابوا تاب عليهم ثانيًا بقبولها منهم، وهو الذي وفَّقهم لفعلها وتفضَّل عليهم بقبولها، فالخير كلُّه منه وبه وله وفي يديه، يعطيه من شاء (١) إحسانًا وفضلًا، ويحرمه من شاء حكمةً وعدلًا.
فصل
وقوله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}[التوبة: ١١٨] قد فسرها كعب
(١) س، والنسخ المطبوعة: «يشاء»، وكذا في الموضع الآتي.