للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقسيم حاصر مُطَّرد منعكس؛ فالسعادة دائرة مع الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب.

وأخبر سبحانه وتعالى أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صِدقهم (١)؛ وجعل عَلَم المنافقين الذي تميَّزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم، فجميع ما نعاه عليهم أصلُه الكذب في القول والفعل؛ فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحِليته ولباسه، بل هو لُبُّه وروحه، والكذب بريد الكفر والنفاق ودليل ذلك ومركبه وسائقه وقائده وحِليته ولباسه ولُبُّه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدُهما صاحبَه ويستقرُّ موضعَه.

والله سبحانه نجَّى الثلاثة بصدقهم وأهلك غيرهم من المتخلِّفين (٢) بكذبهم، فما أنعم الله على عبدٍ بعد الإسلام بنعمة أفضلَ من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته، ولا ابتلاه ببليَّة أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده، والله المستعان.

وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ تَزِيغُ (٣) قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ


(١) يشير إلى قوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: ١١٩]
(٢) ن، المطبوع: «المخلِّفين».
(٣) كذا مضبوطًا بالتاء في ز، ث، س على قراءة أبي عمرو التي كانت سائدة في الشام آنذاك، وهي قراءة سائر العشرة عدا حفصًا عن عاصم وحمزة، فقرآ بالياء. انظر: «النشر» (٢/ ٢٨١).