للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

في قدوم وفد مُحارب

وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد مُحاربٍ (١) عامَ حجة الوداع، وهم كانوا أغلظ العرب وأفظَّهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك المواسم أيام عرضِه نفسَه على القبائل يدعوهم إلى الله، فجاء رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - منهم عشرةٌ نائبين عمَّن وراءَهم مِن قومهم فأسلموا، وكان بلال يأتيهم بغَداءٍ وعَشاءٍ، إلى أن جلسوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا من الظهر إلى العصر فعرف رجلًا منهم فأمدَّه النظر، فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال: كأنك يا رسول الله توهمني؟ قال: «لقد رأيتك»، قال المحاربي: إي والله لقد رأيتني وكلَّمتني، وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد بعُكاظ وأنت تطوف على الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم»، ثم قال المحاربي: يا رسول الله، ما كان في أصحابي أشدُّ عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني، فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدَّقت بك، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذه القلوب بيد الله عز وجل»، فقال المحاربي: يا رسول الله، استغفر لي من مراجعتي إياك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الإسلام يجبُّ ما كان قبله من الكفر»، ثم انصرفوا إلى أهليهم (٢).


(١) «محارب» بطن في عدَّة قبائل، والمراد هنا بنو محارب بن خَصَفة بن قيس عَيلان بن مُضر، لأنهم هم المذكورون في القبائل التي عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه عليها في المواسم كما في «طبقات ابن سعد» (١/ ١٨٤)، وقد سبق في «فصل في مبدأ الهجرة».
(٢) «الاكتفاء» (١: ٢/ ٣٥١) و «عيون الأثر» (٢/ ٢٥٤). وأسنده ابن سعد (١/ ٢٥٨) عن الواقدي، عن محمد بن صالح التمَّار، عن أبي وجزة السعدي مرسلًا بنحوه.