للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفوت. وهذا تَبعُد صحته عن مالك، لأن الآية إنما نزلت في الحديبية وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كلُّهم محرمين بعمرة وحَلُّوا كلهم، وهذا مما لا يشك فيه أحدٌ من أهل العلم.

فصل

وفي ذبحه بالحديبية ــ وهي من الحل بالاتفاق ــ دليلٌ على أن المحصر ينحر هديَه حيث أُحصر من حلٍّ أو حرم، وهذا قول الجمهور: أحمد ومالك والشافعي (١).

وعن أحمد رواية أخرى: أنه ليس له نحر هديه إلا في الحرم، فيبعثه إلى الحرم ويواطئ رجلًا على نحره في وقتٍ يتحلَّل فيه. وهذا يروى عن ابن مسعود وجماعة من التابعين (٢)، وهو قول أبي حنيفة (٣).

وهذا إن صح عنهم فينبغي حمله على الحصر الخاص، وهو أن يتعرض ظالم لجماعةٍ أو لواحدٍ (٤). وأما الحصر العام، فالسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على خلافه، والحديبية من الحل باتفاق الناس، وقد قال الشافعي (٥): بعضها من الحل وبعضها من الحرم، قلتُ: ومراده أن أطرافها


(١) انظر: «المغني» (٥/ ١٩٧) و «المدونة» (٢/ ٤٢٧) و «الأم» (٣/ ٣٩٩).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (١٣٢٤١) والطبري (٣/ ٣٦٤ - ٣٦٦) عن ابن مسعود بإسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (١٣٢٤٣) أيضًا عن طاوس.
(٣) انظر: «بدائع الصنائع» (٢/ ١٧٩).
(٤) وهو كذلك في قول ابن مسعود الذي سبق تخريجه، فإنه أفتى بذلك لرجلٍ أُحصر باللدغة وله أصحاب يواصلون مسيرهم إلى الحرم ليتموا عمرتهم.
(٥) في «الأم» (٣/ ٣٩٩).