وفي قول أبي قتادة له:«الله ورسوله أعلم» دليل على أن هذا ليس بخطاب ولا كلام له، فلو حلف لا يكلمه فقال مثل هذا الكلام جوابًا له لم يحنَث، ولا سيما إذا لم ينوِ به مكالمتَه، وهو الظاهر من حال أبي قتادة.
وفي إشارة الناس إلى النَّبَطي الذي كان يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ دون نطقهم له= تحقيق لمقصود الهجر، وإلا فلو قالوا له صريحًا:«ذاك كعب بن مالك» لم يكن ذلك كلامًا له، فلا يكونون به مخالفين للنهي، ولكن لفرط تحرِّيهم وتمسُّكهم بالأمر لم يذكروه له بصريح اسمه.
وقد يقال: إن في الحديث عنه بحضرته وهو يسمع نوعَ مكالمةٍ له، ولا سيما إذا جعل ذلك ذريعةً إلى المقصود بكلامه، وهي ذريعة قريبة، فالمنع من ذلك من باب منع الحيل وسد الذرائع؛ وهذا أفقه وأحسن.
وفي مكاتبة ملك غسان له بالمصير إليه ابتلاء من الله تعالى وامتحان لإيمانه ومحبته لله ورسوله، وإظهار للصحابة أنه ليس ممن ضعُف إيمانُه بهجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين له، ولا هو ممن تحمَّله الرغبةُ في الجاه والملك مع هجران الرسول والمؤمنين له على مفارقة دينه. وهذا فيه من تبرئة الله له من النفاق، وإظهارِ قوة إيمانه وصدقه لرسوله وللمسلمين= ما هو من تمام نعمة الله عليه ولطفه به وجبره لكسرته (١). وهذا البلاء يُظهر لُبَّ الرجل وسرَّه وما ينطوي عليه، فهو كالكِير الذي يُخرج الخبيث من الطيب.
وقوله:«فتيمَّمتُ بالصحيفة التنور» فيه المبادرة إلى إتلاف ما يخشى منه الفساد والمضرَّة في الدين، وأن الحازم لا يَنتظر به ولا يؤخِّره، وهذا كالعصير