للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سألَنا أن نهدم اللات والعزى، وأن نحرِّم الخمر والزنا، وأن نُبطل أموالَنا في الربا. فخرجت ثقيف حين دنا منهم الوفد يتلقونهم، فلما رأوهم قد ساروا العَنَق وقَطَروا الإبلَ وتغشَّوا ثيابهم كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا ولم يرجعوا بخير، فقال بعضهم لبعض: ما جاء وفدكم بخير ولا رجعوا به.

ودخل (١) الوفد فقصدوا اللات ونزلوا عندها ــ واللات وثن كان بين ظَهرَي (٢) الطائف يُسْتر ويُهدى له الهدي كما يهدى لبيت الله الحرام ــ فقال ناسٌ مِن ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنهم لا عهد لهم برؤيتها، ثم رجع كل رجل منهم إلى أهله، وجاء كلًّا منهم خاصَّتُه من ثقيفٍ فسألوهم: ماذا جئتم به وماذا رجعتم به؟ قالوا: أتينا رجلًا فظًّا غليظًا يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف وداخ له العرب ودان له الناس، فعرض علينا أمورًا شدادًا: هَدْمَ اللات والعزى، وتركَ الأموال في الربا إلا رؤوس أموالكم، وحرَّم الخمر والزنا، فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبدًا، فقال الوفد: أصلِحوا السلاح وتهيؤوا للقتال وتَعبَّوا له ورُمُّوا حِصنكم، فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثةً يريدون ــ زعموا (٣) ــ القتال، ثم ألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب فقالوا: والله ما لنا به طاقة وقد أداخ العربَ (٤) كلَّها، فارجِعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه.

فلما رأى الوفدُ أنهم قد رغبوا واختاروا الأمان على الخوف والحرب


(١) المطبوع: «وترجَّل» خلافًا للأصول ومصدر النقل.
(٢) د، ز، المطبوع: «ظهراني»، والمثبت من سائر الأصول موافق لـ «دلائل النبوة».
(٣) «زعموا» سقط من ن، والنسخ المطبوعة.
(٤) أي: قهرهم واستولى عليهم. وقد تحرّف «أداخ العرب» في س، ث، ن، والنسخ المطبوعة إلى ألوان شتَّى يطول المقام بذكرها.